بعد أن خطب الإمام الحسين (عليه السلام) خطبته الأولى،بجيش عمر بن سعد يوم العاشر من المحرّم،خطب عليهم ثانية لإلقاء الحجّة،بعدما أخذ مصحفاً ونشره على رأسه،فقال: (يا قوم إنّ بيني وبينكم كتاب الله وسنّة جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله))،ثمّ استشهدهم عن نفسه المقدّسة،وما عليه من سيف النبي ودرعه وعمامته،فأجابوه بالتصديق.
فسألهم عمّا أقدمهم على قتله؟ قالوا: طاعةً للأمير عبيد الله بن زياد.
فقال (عليه السلام): (تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً،أحين استصرختمونا والهِين،فأصرخناكم موجفين،سَللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم،وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم،فأصبحتم إلْباً لأعدائكم على أوليائكم،بغير عدل أفشوه فيكم،ولا أمل أصبح لكم فيهم،فهلاّ لكم الويلات تركتمونا،والسيف مشيم،والجأش طامن،والرأي لما يستحصف،ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدَّبا،وتداعيتم إليها كتهافت الفراش،ثمّ نقضتموها،فسُحقاً لكم يا عبيد الأمّة،وشذاذ الأحزاب،ونبذة الكتاب،ومحرّفي الكلم،وعصبة الإثم،ونفثة الشيطان،ومطفئي السنن.
ويحكم أهؤلاء تعضدون،وعنا تتخاذلون،أجَلْ والله غدرٌ فيكم قديم،وشجت عليه أُصولكم،وتأزرت فروعكم،فكنتم أخبث ثمر شجٍ للناظر،وأكلة للغاصب.
ألا وإنّ الدعي بن الدعي - يعني ابن زياد - قدْ ركز بين اثنتين،بين السلة والذلّة،وهيهات منّا الذلّة،يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون،وحُجور طابت وحجور طهرت،وأُنوف حمية،ونفوس أبية،من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام،ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد وخذلان الناصر).
خطبة الإمام الحسين (عليه السلام) ليلة عاشوراء
روي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنّه قال: جمع الحسين (عليه السلام) أصحابه،بعد ما رجع عمر بن سعد،وذلك قرب المساء،فدنوت منه لأسمع،وأنا مريض،فسمعت أبي وهو يقول لأصحابه: (أثني على الله تبارك أحسن الثناء ... أما بعد: فإنّي لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي،ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي،فجزاكم الله عنّي جميعاً خيراً،ألا وإنّي أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً،ألا وإنّي قد رأيت لكم،فانطلقوا جميعاً في حلّ،ليس عليكم منّي ذمام،هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً،وليأخذ كلّ رجل بيد رجل من أهل بيتي،ثمّ تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم،حتّى يفرّج الله،فإنّ القوم إنّما يطلبونني،ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري).
فأبوا ذلك كلّهم