--------------------------------------------------------------------------------
خولان إحدى مديريات محافظة صنعاء وجحانة هي مركز المديرية ، خولان اسم لقبيلة وأرض ، وقد ذكر الاسم ( خولن ) في النقوش اليمنية القديمة لأول مرة في حدود ( القرن السابع قبل الميلاد ) ، أو بمعنى آخر في فترة ( مكربي سبأ ) كاسم لقبيلة ، ولكن في الفترة اللاحقة ( فترة ملوك سبأ وذي ريدان ) ، وهي الفترة الممتدة من ( القرن الأول حتى الثالث الميلادي ) ومن خلال استقرائنا لمعطيات التأريخ نجد أن الاسم ( خولن ) قد أصبح يطلق على ثلاث قبائل متفرقة هي :-
- خولن ( جددن ) : وهي قبيلة خولان الأجدود ، وكانت أراضيها تقع في المنطقة الممتدة من جبل أم ليلى شمالاً وحتى الجنوب الغربي لحقل صعدة ، وتعرف اليوم هذه القبيلة ( بخولان بن عمرو أو خولان بن عامر ) ، ومساكنها تشمل منطقة واسعة من محافظة صعدة .
- خولن ( الجنوبية أو خولان ردمان ) : وهي قبيلة خولان المتحالفة مع ردمان أو كما يطلق عليها " الهمداني " ( خولان رداع ) ، وأراضيها كانت تقع في المنطقة الممتدة من حد " بني بكر " في يافع جنوباً حتى " البيضاء – المدينة – ورداع " شمالاً .
- خولن ( خضلم ) : وهي القبيلة التي كانت أراضيها تقع في المنطقة المحيطة " بصرواح خولان وإلى الغرب منها ، وتعرف ـ حالياً ـ بخولان الطيال أو خولان العالية ، وهي القبيلة التي تقع أراضيها ـ حالياً ـ في شرق وشمال شرق العاصمة صنعاء ، يحدها شمالاً بلد نهم ، وجنوباً الحدا وغرباً بنو بهلول وبنو حشيش ، وشرقاً مأرب .
أشهر أوديتها :
- وادي مسور ، ويأتي من أسناف غرب جحانة ، ويمر بجحانة ثم يسير إلى السُّهمان ويصب في وادي حبابض ثم يواصل إلى مأرب ، ويصب فيه وادي هروب ووادي الكبس ، وهما جنوبي جحانة ، كما تصب فيه وادي قرو ووادي الأعروش وبني شداد ثم وادي حباب ، ومساقطه شرق الأعروش ، وتصب فيه روافد جبال بني جبر وشرق الطيال ويذهب إلى وادي رغوان شرقاً فيمر ببيت الهبال ثم يذهب في المضيق شمال جبل هيلان .
- وادي حريب القراميش ومساقطه من جبال المنشية ورأس نقيل شجاع بالجهة الشمالية من جبال اللوز فيجرى في وادي البديع ، ثم يتجه شرقاً إلى حريب ، ويلتقي بوادي حباب في رغوان ، ثم يتجه إلى بلد الجدعان شرقاً أسفل وادي الجوف ، وتصب فيه روافد شمال الطيال وحلب وجنوب نهم ، ويعتبر وادي حريب الفاصل بين قبيلة خولان ونهم .
أشهر جبالها :يعتبر جبل اللوز من أشهر جبالها ، وجبال الطيال وجبل الخضراء وجبل عضية ، وهي تشكل سلسلة جبلية ممتدة من الشرق إلى الغرب ، ثم جبل كنن ، وهو بالجنوب الغربي من خولان يبعد عن العاصمة صنعاء ( 50 كيلو متراً ) في اتجاه الجنوب الشرقي منها .
وتشتهر مـديريـة خـولان بزراعة اللوز خاصة في جبل اللوز ، كما تزرع فيها الأعناب في وادي
مسور، وفي الكبس والأعروش ، وفي النواحي الشرقية من خولان يعيش البدو الرُحل الذين ينتمون قبلياً لخولان .
أ- جحانة :-
جحانة هي مركز مديرية خولان العالية ، وهي عبارة عن قرية تقع في أعلى وادي مسور ، ظهرت مؤخراً فيما بين ( القرن الثامن والتاسع الهجري ) وظهرت كهجرة علم في ( القرن الحادي عشر الهجري ) واشتهر فيها نخبة من العلماء في الدين وخلافه من علوم الدنيا والشريعة واللغة ، وتشتهر الآن كسوق لخولان حيث يقدم إليها الأهالي القاطنون في الجبال المجاورة لاقتناء السلع التجارية ، وكذلك لبيع بعض المصـنوعات الحرفية كالنسيج المصنوع من صوف الغنم .
ومن أشهر معالم خولان التاريخية والأثرية مسجد العباس في أسناف .
1- مسجد العباس بأسناف خولان :-
يقع مسجد العباس في الجنوب الشرقي من العاصمة صنعاء على بعد حوالي ( 20 كيلومتراً ) على تلة تبعد ( كيلومترين ) جنوب قرية أسناف .
يعود تاريخ بناء المسجد إلى ( القرن السادس الهجري ـ الثاني عشر الميلادي ) وهو مسجد للصلاة وضريح لمتوفٍ عليه تركيبة خشبية .
ينسب " المسجد ـ الضريح " إلى العباس ، وهو شخص نسبه غير معروف ، إذ لم يعثر له على ترجمة في كتب التراجم أو المصادر التاريخية ، إضافة إلى أن اسمه لم يكتب على الشريط الكتابي الذي يزين أسفل السقف من الداخل الذي ينص على : ( من ما أمر بعمله السلطان الأجل " موسى بن محمد العطي " أدام الله عزه ) ، والسلطان الذي أمر بعمارة المسجد ـ أيضاً ـ شخص غير معروف في المصادر التاريخية ، ولكن الشريط الكتابي المكتوب في سقف المسجد من الداخل ينص على : ( عُمل سقف هذا المسجد المبارك في شهر ذي الحجة من سنة ( تسعة عشر وخمسمائة )) أي أنه عُمل في عهد الدولة الصليحية في الفترة التي كانت تحكم فيها السيدة " أروى بنت أحمد الصليحي " (( 440 - 532 هجرية ) ـ ( 1049 - 1138 ميلادية )) ، وفي تلك الفترة كانت هناك قوى تتنازع السيطرة على اليمن مع الدولة الصليحية ؛ ولذلك فقد رجح الدكتور " علي سعيد سيف " أن السلطان موسى لم يكن بإمكانه أن يعلن اسمه وسلطته حتى يسمع أو يعرف به المؤرخون وكُتاب التراجم الذين عاصروه وأرخوا لتلك الفترة ، أمثال عمارة اليمني ، والحمادي والجندي والخزرجي ، لذلك لم يشيروا إليه في كتبهم ، وربما أن هذا السلطان كان أحد مشايخ المنطقة ولقب نفسه بالسلطان ، وكان سني المذهب بين دويلات شيعية كالصليحية ، والزيدية وبني حاتم ، وقد أقـام ذلك السـلطان هذا المسـجد للشـيخ العباس المدفـون فيه ـ وهو شخص غير معروف كما سبق أن ذكرنا ـ ، إلا أن هناك قصة أسطورية تناقلها الأهالي عن أسلافهم تبين كيف تم بناء المسجد ، والأموال التي أنفقت عليه حيث تقول هذه القصة ( إن رجلاً كان يدعى العباس سافر إلى مكة حاجاً وهناك وجد كيساً به نقود ذهبية ، فظل العباس يبحث عن صاحبها طيلة عام كامل فلم يجده فعاد إلى اليمن ، وسافر إلى مكة ثانية وثالثة للحج والبحث عن صاحب النقود فلم يجده فلما كان العام الرابع وجده وكان قد اضطر لصرف جزء من النقود ، وكان صاحبها هندي الأصل ، وأراد أن يختبر العباس على أمانته فقال له أعطني أحد أضراسك بدلاً من النقود التي صرفتها فخلع العباس أحد أضراسه ووضعها في الكيس وقدم للعباس ثلاث نصائح هي : لا تتعجل ، لا تبخل ، لا تكسل ، وعاد الرجل إلى الهند وبعد فترة أراد العباس أن يرجع إلى اليمن فضل الطريق فسافر إلى الهند عبر البحر ، فنزل على سواحل الهند عند امرأة ضيفاً ، وكانت حسناء لها أموال طائلة ، وكان أبوها تاجراً ولكنها لم تتزوج وتبحث عن رجل أمين كما أوصاها أبوها فأعجبت بالعباس وأرادت أن تختبر أمانته ثم رأى الكيس الذي كان معه عندها فأراد أن يتأكد منه ، وعندما فتحت الكيس ابتسم فغضبت لأنه سخر منها ولكنه حكى لها القصة التي دارت بينه وبين الرجل الذي تبين أنه والدها فقالت له أنت الرجل الذي أوصاني به أبي لأتزوجه ، فتزوجها ، وعاد إلى اليمن ، وأثناء طريق العودة توقفت القافلة في وادٍ نتيجة لحدوث سيل " فتذكر النصيحة " لا تكسل " وبينما هو سائر في الطريق تعرض له مجموعة من اللصوص فتذكر نصيحة الرجل " لا تبخل " فقال لهم خذوا المال واتركوني فتركوه يسير بالقافلة ، وعندما وصل إلى بيته في وقت متأخر من الليل وجد زوجته نائمة إلى جوارها ابنها الذي لم يره منذ فترة طويلة فظن أنه عشيقها فهم بقتله فتذكر نصيحة الرجل " لا تتعجل " ثم قام ببناء المسجد من تلك الأموال التي أخذها من زوجته الهندية ، وأقام إلى جوار المسجد مبانٍ ملحقة " كزاوية " لإقامة أتباعه ومريديه وانقطع للعبادة حتى سمع به أناس كثيرون فاجتمعوا إليه يأخذون عنه العلم والدروس ) .
- الوصف المعماري لمسجد وضريح العباس ( بأسناف ): المسجد عبارة عن مبنى مستطيل الشكل طول ضلعه ( 7,25 متر ) ، وعرضه ( 6.30 متر ) ، يفتح فيه مدخلان أحدهما يقع في جداره الغربي والآخر في جداره الجنوبي ، وقد اتخذ كل مدخل شكلاً مستطيلاً يعقد على كل منهما عتب من الحجر يعلو كلاً منهما حنية ذات عقد مدبب فتحت فيه نافذة مستطيلة الشكل زينت جوانبها بزخرفة هندسية تتكون من مستطيل أدنى يعلوه أشكال مثلثات ويصعد إلى المدخل بدرجتين ويغلق عليه باب من الخشب يتكون من مصراعين ، كما يفتح في الجدار الشرقي أربع نوافذ لدخول الضوء والهواء إلى المسجد .
وقد استخدم معمار مسجد وضريح العباس أحجار مبنى قديم كان قائماً مكانه ، وهو مبنى يعود تاريخه إلى فترة ما قبل الإسلام حيث تشير طريقة البناء والنقوش المسندية أنه كان معبداً لأحد الآلهة اليمنية القديمة ، وقد بُني الجزء السفلي من " المسجد ـ الضريح " بالحجارة الجيرية الضخمة المشذبة من الخارج إذ يشاهد على بعضها كتابات ـ نقوش ـ بخط المسند ، وقد تم عمل ملاط من الجص والنورة بين مداميك الأحجار لزيادة قوة تماسك الجدار ، وتشاهد المداميك المبنية من الأحجار تصل إلى مستوى نهاية فتحة المدخل ، ثم أتم المعمار بالآجر ـ اللبن المحروق ـ وزينه من أعلاه بشرفات مسننة متدرجة ذات خمس أسنان بلغ عددها في الأضلاع الطويلة سبع والقصيرة خمس ، وهي على شكل حلية زخرفية تحلي سقف المسجد من الأعلى ، وهي زخارف مقتبسة من العناصر المعمارية التي ظهرت في العمارة الإسلامية المصرية خلال العصر الفاطمي ، ويبدو أن معمار هذا المسجد قد اتبع نفس الأسلوب الذي اتبع في جامع جبلة - في شكل الحُلي الزخرفية التي تزين السقف من الأعلى – والذي يتشابه في كثير من الأوجه مع عمائر الدولة الفاطمية بمصر لما كانت بينهما من علاقات متبادلة ، أما ميازيب السقف فقد عمد المعمار إلى عملها من الجص والنورة ، وذلك لتصريف مياه السقف دون أن تتسرب إلى الداخل فتزيل العناصر الزخرفية ، ويتم الوصول إلى داخل المسجد عبر أحد المدخلين اللذين يفضيان إلى قاعة مستطيلة الشكل طول ضلعها ( 6.25 متر ) وعرضها ( 5.30 متر ) ، وهي تتكون من ثلاث بوائك من الأعمدة ، في كل بائكة عمودان كونت البائكات أربعة أساكيب ، أوسعها أسكوب المحراب ، سارت موازية لجدار القبلة ، وثلاث بلاطات متساوية عمودية على جدار القبلة ، وهذا التخطيط يشبه تخطيط المساجد الصغيرة التي ليست على نمط تخطيط المسجد النبوي ذي الصحن والأروقة ، وقد استخدم المعمار الأحجار القديمة – من مخلفات المعبد – وكذلك الأعمدة ، المكونة من أكثر من قطعة ويوجد نوعان منها الإسطواني ومنها المضلع ، وغلب على تلك الأعمدة الإسطوانية بينما نجد اثنين - فقط - مضلعين ، ويقعان إلى الجنوب من بيت الصلاة ، وتحمل هذه الأعمدة تيجانا اتخذت أشكالاً مختلفة ، منها الشكل المربع ، ومنها المدور المزين بزخرفة التسنين والتي ترجع إلى فترة ما قبل الإسلام سواء الأعمدة أو التيجان ، إذ تتشابه هذه الأعمدة وتيجانها مع ما وجد في أعمدة المعابد في مأرب والجوف .
وتحمل هذه الأعمدة وتيجانها سقف المسجد " الضريح " مباشرة دون عقود أو أقواس حيث استعاض البناء بعمل عوارض خشبية من جذوع الأشجار لتربط بين الأعمدة ببعضها وحوائط المسجد ؛ مما جعلت السقف يقسم إلى بلاطات مربعة كونت مصندقات خشبية زينت بالزخارف .
- المحـراب : يتوسط الجدار الشمالي " جدار القبلة " محراب على هيئة مستطيل مكون من مستويين ، الداخلي تتوسطه حنية بسيطة يعلوها عقد مدبب ، وقد أقيم العقد على عمودين مندمجين وتشبه بذلك عقود دخلات الحنايا المزينة لضريح السيدة " أروى بنت أحمد " في جبلة ، كما زينت هذه الحنية بالزخارف ، والمستوى الخارجي يشبه السابق حيث يتكون من حنية والمستوى الداخلي يكتنفه عمودان آخران لهما تيجان مستطيلة يقوم على كل منها عقد مدبب الشكل زينت واجهته بزخارف مجدولة ، ويتوج الحنية طاقية مزينة بالزخارف ، ويؤطر المحراب شريط كتابي مكتوب بالخط الكوفي المورق نصه :
- في الجانب الأيمن : ( بسم الله الرحمن الرحيم إن الله وملائكته يصلو
- في الجانب الأعلى : ن على النبي يا أيها الذين آ
- في الجانب الأيسر : منوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) .
ويحيط به شريط زخرفي ضيق ، كما عمد الفنان إلى نقش اسمه في كوشات العقد حيث قام بالتوقيع داخل جامتين ، اليمنى منها نقش فيها : ( عمل محمد بن أبي الفتوح ) واليسرى نقش فيها : ( بن علي بن أرحب ) ، وذلك بالخط الكوفي المورق والمزدهر .
- الـقـبـر : يقع في الركن الجنوبي الشرقي للمسجد بالقرب من المدخل الجنوبي على يمين الداخل ويسار الخارج وهو عبارة عن حوطة مستطيلة الشكل طول ضلعها ( 1.75 متر ) وعرضها ( 1.25 متر ) ترتفع عن أرضية المسجد بحوالي ( 25 سم ) ، وقد ميز المعمار مكان القبر بأن جعل له علامات حوله وذلك بتثبيت تيجان أعمدة قديمة حوله حتى يمنع الناس من المرور فوقه والصلاة فيه .
هذا وترتفع جدران " المسجد ـ الضريح " ( بخمسة مترات ) عن مستوى أرضية المسجد فتح على جداره الشرقي أربع نوافذ صغيرة مستطيلة الشكل وثلاث نوافذ في الجدار الجنوبي ، كما زين أعالي الجدران بأشرطة زخرفية كتابية ونباتية ، بلغ عددها ( خمسة عشر شريطاً ) ، منها أربعة عريضة الشكل ، من بينها شريطان كتابيان ، وبقية الأشرطة ضيقة زينت بالزخارف .
- السقف : لعل أروع ما في المسجد سقفه الأسفل الذي عُمل من خشب الساج المزين بزخارف نباتية منحوتة ، ومرسومة بعدة ألوان ـ خاصة بماء الذهب ـ ، وقد ظلت البعثة الفرنسية تعمل في ترميم السقف الرائع قرابة ( أثني عشرة سنة ) حيث انتهت من ترميمه في صيف ( 1997 ميلادية ) .
خالص تحياتنا لكم ...